لا أستطيع أن أعلن هذا الإدعاء عن ١٠٪ من الأفلام التي أشاهدها، ولكن مشاهدة فيلم Prisoners علمتني أشياء كثيرة، منها أن حفلة ١٠:٣٠ صباحاً تبدأ عادةً ١٠:١٥، ولذلك من الضروري أن أتواجد في السينما من الساعة ١٠:٠٠ حتى لا يفوتني أي شيء من الفيلم. على الجانب الجاد فأن أهم ما يمكن تعلمه من فيلم Prisoners هو كيفية قراءة تلك الأخبار المنتشرة حولنا عن جرائم بشعة تتسم بالقسوة الشديدة لدرجة عدم قدرتنا على تفهم كيف يمكن لإنسان أن يتحول لمثل هؤلاء الشياطين. فيلم المخرج دينيس فيلونوف يقدم الإجابة البسيطة: إنزع الملائكة من حياته.
Prisoners يقدم لنا قصة إختفاء طفلتين لعائلتين تجمعهما صداقة والتوتر المتنامي لأهليهما مع مرور الوقت دون العثور عليهما. رجال الشرطة يتمكنوا من القبض على شخص مشتبه به ولكن يضطرون لإخلاء سبيله لعدم وجود أدلة كافية ضده ولكن والد إحدى الطفلتين يرفض هذه النتيجة ويقرر أخذ زمام الأمور ليقينه من معرفة هذا الشخص لمكان إبنته، فيخطفه ويحتجزه ويبدأ عملية إستجوابه مستخدماً كل الوسائل الممكنة بدون أي رحمة حتى تبدأ أجزاء اللغز في التكشف مع مرور الأحداث.
أثناء مشاهدتي لفيلم Prisoners لم أستطيع أن أصرف عن تفكيري أفلام مماثلة وجيدة مثل Zodiac و Gone Baby Gone و The Lovely Bones ولكن مع خروجي من باب السينما تبينت سبب تميز هذا الفيلم وإنصافه بعدم إدراجه مع هذه الأفلام. أول هذه الأسباب هي إنسحابه السريع من صراع الغموض البوليسي، فلم يكاد يمر نصف الفيلم حتى همس لي صديقي الذي كان يرافقني في السينما “على فكرة، أنا هرشت الليلة”!!
عندما إستجمعت تركيزي لكشف اللغز، لرفضي أن أكون على الجانب الأقل ذكاءً، تمكنت كذلك من حل جوانب الجريمة ومعرفة الخاطف بكل يقين وفي نفس الوقت تبينت أيضاً أن فيلونوف، وآرون جويزكوسكي كاتب السيناريو، لم يكن يعنيهما إطلاقاً أن يتمكن المشاهد من “هرش الليلة” من عدمه. بل إني قد أتخطى ذلك لأدعي أن قدرة مشاهد Prisoners على حل اللغز البوليسي سريعاً تعتبر ضرورية لتخطي الهيافات السينمائية والتفرغ للتأمل داخل شخصية هذا الأب الذي تحول لشيطان بمجرد إختطاف ملاكه الصغير، أو ذلك الأب الذي لا يستطيع أن ينهى صديقه عن أفعاله بسبب عدم استعداده لاتخاذ قرار قد يؤدي لفقدان ملاكه للأبد، أو تلك الأم التي أرسلتها الفاجعة مباشرةً لعالم اللا وعي، أو الأم الأخرى التي يتصارع بداخلها الحنان والقسوة حتى آخر لحظة.
شتاء رمادي كئيب مظلم يحتضن شخصيات الفيلم المعذبين جميعاً والذين جسدهم مجموعة من أفضل الممثلين، يأتي على رأسهم هيو جاكمان في دور كيلر دوفر الأب الخشن الذي يزداد قسوةً وبطشاً مع مرور الأيام دون العثور على إبنته. هيو جاكمان كان أول المتألقين في فريق المثيل في تجسيد التباين من نوبات غضب عارم لنوبات رجاء لرجل الشرطة لوكي كي يبذل المزيد من الجهد من أجل العثور على الطفلة المخطوفة. عاب هيو جاكمان الهيستريا المتكررة في النصف الأخير من الفيلم. أما لوكي فقد قام بدوره جيك جايلنهال و قدم تطور حالة الإرهاق والضجر بتمكن شديد كان أكثر نضجاً من تجسيده لدور مشابه في فيلم Zodiac.
تيرنس هاورد وماريا بيلو وفيولا ديفيس كانوا ممتازين وأخص بالإعجاب بول دانو الذي أصبحت أكرهه بكل شدة بسبب حالة عدم الإرتياح التي يسببها لي في كل أفلامه بدايةً بـThere Will Be Blood. أما أسوأ قرار في إختيار فريق الفيلم فكان من نصيب ميليسا ليو العظيمة التي أدت دور هام وجسدته بكفاءة شديدة ولكن إختيار ممثلة بحجمها لهذا الدور ساهم في كشف الكثير من الغموض مبكراً جداً .. ولكن أعود وأؤكد أنني أعتقد تماماً في أن هذا الكشف كان مقصوداً.
الجو العام الذي قدمه دينيس فيلونوف كان رائعاً في تناسبه مع رؤية وفلسفة الفيلم كما ظهر للمخرج لغة خاصة عبقرية في مشاهد عديدة كانت قد إنتهت عملياً وبقى ثواني أو لحظات متوقعة ومقروءة فكان يوفر على المشاهد الوقت وينهي المشهد بإظلام تدريجي للشاشة تكرر عدة مرات حتى أصبح مثل اللغة المفهومة بيننا وبينه لدرجة أنه ختم بها الفيلم في آخر مشاهده فكانت لمسة راقية فنياً. فيلونوف ينتظر عرض فيلمه الجديد Enemy تجارياً في فيراير ٢٠١٤ من بطولة جاك جايلنهال كذلك، وهو يحظى الآن بردود أفعال ممتازة من النقاد الذين شاهدوا عرضه الخاص.لا أعرف إن كنت أوافق حقاً على الرسالة الفلسفية للفيلم في أن الإنسان قادر للتحول لوحش من أجل حماية البراءة أو الإنتقام لها. ولكني قبلت تماماً، من خلال أحداث الفيلم، أن القدر الحرج من الألم والتعاسة لا يتطلب الوقت الطويل حتى يشعر كل المحيطين به بأنهم …. Prisoners!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق